المشاركات

همس الأنامل

  الفصل الأول:  أرتجف بردا، الهواء بارد يلسع بشرتي الحساسة، ورائحة الرطوبة تطبق على أنفاسي. تكورت فوق السرير الخشبي واحتضنت نفسي لعلي ألتمس بعضا من الدفئ في هذه البقعة المنعزلة. قبل شهور تعد على الأصابع كنت أميرة منعمة، مكرمة في بيتها، كنت قرة عين أبي وأخي، فبعد موت والدتي وأنا طفلة لم يكن لي سواهما. الآن، لم يعد لي أب حازم يريحني في حضنه، ولا أخ لعوب يهرب لي الحلويات في منتصف الليل.  معهما ذهبت الأصوات وذهبت الأضواء، فلا صوت بعدهما قد يسري عني، ولا ضوء غير إشراقة وجههما قد يبهرني، هكذا، ببساطة كخرقة بالية لم تعد تسوى قرشا رميت في إصلاحية على ضاحية المدينة، حيث لا أطباء يعالجون ولا ممرضات تصون، فقط الجدران الباردة تبكي، والنوافذ تزوم. ظلام في ظلام، صمت مطبق لا يعكر صفوه شيء، عشت لمدة تسعة أشهر، ولي منها خمسة في هذا الكهف المرهب. أتحسس الجدران لعلي ألتمس طريقي فتنزلق يداي في الماء، وأرهف شمي لعلي ألتقط رائحة تطبطب على قلبي فلا تقابلني سوى العفونة ورائحة الطحالب. على الأقل، مرة في اليوم، لمدة ساعة، كان يسمح لنا الخروج من غرفنا، لنجلس في الحديقة الصلبة قرب بعضنا كالنعاج، نتن...